يُعَدُّ مشروع المعجم التاريخي للغة العربية أعظمَ تحدٍّ أمام مجمع اللغة العربية بالشارقة، واتّحاد المجامع اللغوية العلمية بشكل خاص، وجميع المجامع اللغوية والعلمية الأخرى بشكل عام، ولا أكون مبالغًا إذا قلت إنَّ مشروع المعجم التاريخي هو بؤرةُ رؤية صاحب السّمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة، ولبُّ لباب اهتماماته. لقد رفع صوته عاليًا منذ 2006 لإنشاء هذا المشروع وتعجيل تنفيذه، لما رأى من تعثر خطواته منذ 1957، حيث إنَّ اتحاد المجامع منذ تأسيسه في عام 1957 ، تولّى على عاتقه تنفيذ هذا المشروع العظيم، ولكن شاءت الأقدار أن تتعثر الخطوات، وتقف عوائق ومزالق في طريق تنفيذه.
التمس اتّحاد المجامع اللغويّة والعلميّة من حاكم الشارقة أن يقوم بإنشاء مقرٍّ لاتحاد المجامع بالقاهرة، فلبّى شاكرًا ومبادرًا ولم ينثن له عزم. والآن بتأسيس مجمع اللغة العربية بالشارقة، عاد مشروع المعجم التاريخي ليطفو إلى السطح، وأقول: إنَّ همّة صاحب السمو لإنجازه متوثبة ومتوقّدة، ولقد وجّه الأمين العام لمجمع الشارقة شخصيًّا لاتخاذ جميع الخطوات العمليّة التي من شأنها تيسير إنجاز المشروع، ولقد قام المجمع في هذا الإطاربخطوات حثيثةأهمها دراسات وورشات عملية خاصة بكتابة المدوَّنة الحاسوبية، والحمدلله تمَّ الاستقرار على اختيار مؤسسة حاسوبية متميّزة في إنشاء المنصّة الرقميَّة، ولدينا خطّة لتسهيل أعمال اللجنة العلميّة المنبثقة عن المجلس العلمي لمشروع المعجم التاريخي.
ونتوقع بتوفيق الله تعالى، أننا لا نصل إلى منتصف العام 2018 إلا والمدوَّنة اللغوية الحاسوبية للمعجم التاريخي منجزة وجاهزة للبحث، وسوف ننتقل بعدها إلى توزيع الأعمال اللغوية على الباحثين اللغويين في شتى المجامع، وسيرى مشروع المعجم التاريخي العملاق النور ولو بعد حين، وإذا صحَّ العزم وَضُحَ السبيل.
تجدرُ الإشارة إلى أنّ جلسات متوالية أشرف عليها مجمع الشارقة في التشاور ودراسة الإجراءات العمليّة مع الشّركات الحاسوبيّة المتخصصة في إنشاء المدوّنات منها شركة واتسون، وشركة ( IBM)، وشركة (Media info ) وشركة ( Endless)، وبتوفيق من الله تعالى تمّ الاتفاق مع شركتي (Media info )، و(Endless) لتنفيذ المشروع الذي يتطلّب تغطيّة مادّية معتبرة، وجهودا بشريّة جبارة.
من ناحية أخرى، استطاعت إدارة اتّحاد المجامع اللغوية والعلميّة تحت إشراف مباشر من رئيس الاتّحاد سعادة الأستاذ الدكتور حسن الشافعي، ومتابعة علميّة دقيقة من أمين اتّحاد المجامع الأستاذ الدكتور عبد الحميد مدكور من إنجاز المنهج المتعلّق بكيفيّة البحث، وخطوات التّنقيب عن المادّة المعجميّة في مظانّها ومصادرها التاريخيّة الأولى، وقام فريق من الخبراء في مقدّمتهم الأستاذ الدكتور محمد حسن عبد العزيز والأستاذ الدكتور مأمون وجيه بتدريب عدد من الأساتذة والباحثين المتخصصين في الصّناعة المعجميّة ممّن لهم خبرة سابقة في كتابة المعجم الكبير الذي يشرف على إنشائه وتدقيقه وطبعه مجمع اللغة العربيّة بالقاهرة، والحمد لله والمنّة له وحده، فقد أحرز مشروع تدريب الباحثين تقدّما جيّدا، وسيتمّ في الأشهر القليلة القريبة تدريب عدد كبير من الباحثين المعجميين في اللّجان التي نحن الآن بصدد إنشائها لدى المجامع اللغوية الأخرى. هذا، ونسأل الله تبارك اسمه أن يذلل العقبات ويزيل العوائق القائمةفي وجه إنجاز هذا المشروع التاريخي العظيم الذي ستنتفع الأمّة قاطبة بثمرات إنجازه؛ إذ إنّ تاريخ اللغة هو ذاكرتها وحافظ ماضيها وأحداثها، وهو ديوان آدابها وفنونها ومعارفها يضم بين دفتيه معالم المستقبل المشرق لأمّة العرب.
حول مؤلف المقالة