الأمين العام لمجمع اللغة العربية بالشارقة، الدكتور محمد صافي المستغانمي يلقي كلمة القاسمي

كلمة صاحب السمو سلطان القاسمي الموجّهة إلى مجلس اللسان العربي بموريتانيا

"الأمين العام لمجمع اللغة العربية بالشارقة، الدكتور محمد صافي المستغانمي يلقي كلمة صاحب السمو"

بسم الله الرّحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين.

أصحاب السعادة، معالي الوزراء…

أهل الفضل والعلم علماء ورؤساء المجامع اللغوية والعلميّة، 

الحضور الكريم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أوّلا: أتوجّه بالشّكر الجزيل إلى دولة موريتانيا الشّقيقة حكومة وشعبا على حسن صنيعهم باستضافة هذا الحدث اللغوي الهام، وأثمّنُ كلَّ ما قدّمتم وتقدّمون في سبيل العلم عموما، وفي سبيل اللغة العربيّة خصوصا. وإنّها لمناسبةٌ مباركةٌ ميمونةٌ سارّةٌ أن يجتمع هذا الجمع الكريم من العلماء واللّغويين والأكاديميين، وأهل الفضل والنّبل على غاية مثل غايتنا التي حقّقنا جانبا منها اليوم، ألا وهو الافتتاح الرّسمي لمجلس اللّسان العربي بنواكشط ليلتحق بركب المجامع اللغويّة والعلميّة.

قلت: حقّقنا اليوم الخطوة الأولى في سبيل هذا المجمع، والخطوات التّالية تحتاج إلى جدّ واجتهاد وتشمير عن سواعد المثابرة، وفتح لأبواب المبادرة أمام جميع الباحثين والأكاديميين وأهل الإبداع.

أعلمُ – كما تعلمون – أنّ المجامع اللغوية كثيرة ومنتشرة في أغلب البلاد العربيّة، ولكنَّ العبرة ليست بكثرة الأعداد، وإنّما العبرة بالنّتائج والمُخرجات. ماذا قدّمنا للغتنا في الماضي؟ وماذا نُخطّطُ اليوم للنّهضة بها في الأيّام الرّاهنة وفي المستقبل؟

إنّي، أيّها الإخوة الكرام، أضمّ صوتي إلى أصواتكم جميعا، وأُشجّعكم على الأعمال والأنشطة التي تعود بالنّفع على انتشار لغتنا العربية، وتعميم استعمالها، والمحافظة على صفائها وعلوّها وسعتها وثرائها، وتشجيع الإبداع بها. هذه اللغة التي اصطفاها العليم الحكيم لحمل كتابه، ولها من الخصائص والمميّزات ما يجعلُها تتربّعُ فوق عرش اللّغات العالميّة، ولولا ما تتمتّعُ به من خصائص، وما تزدهي به من مزايا، وما يزيّن جيدها من إمكانات ومهارات ما جعلها الله جلّ ثناؤه وعاء لكلمته الأخيرة للبشريّة جمعاء، وعاء للقرآن المعجز الذي لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه.

تُرى ما الذي يتوجّب أن نقوم به تُجاه هذه اللغة العظيمة؟ ما الذي تطلبُهُ منّا وتقتضيه منّا – ونحن أهل الفكر والعلم وأصحاب التّوجيه وأولو النُّهى والحِجى-؟

الجواب يعرفه الجميع، ولكن يحتاج إلى شجاعة أدبيّة، ويحتاج إلى عزم وحزم وتجلّد وصبر؛ لأنّ سبيل تحقيق ما تريد هذه اللغة منّا طويلٌ وشاقّ، والعوائق كثيرة، والمزالقُ متنوّعة، والجوّ العام تكسوه غيوم، وتُلبّدُهُ غياهب هنا وهناك.

إنّ الذي يتوجّبُ علينا فعله: هو أن نُحسن التّخطيط لهذه اللغة، أن نحسن اتّخاذ القرارات الصّحيحة والصّائبة التي تجعل الأجيال الحاضرة، وأجيال المستقبل التي تتقلّبُ في أحضان الانفجار المعلوماتي المتعدد الأبعاد، تستيقظُ إلى عظمة هذه اللغة، وتعي وظيفتها الكبرى في هذا الوجود، وتتحمّل مسؤوليّتها بقوّة أمام الله وأمام التّاريخ.

كثيرةٌ هي المراكز التي تُعنى بتعليم اللغة العربيّة، وكثيرةٌ هي المجامع اللغويّة، وأقسام اللغة العربيّة في الجامعات والكليّات في عالمينا العربي والإسلامي، بل وفي شتّى أقطار المعمورة اليوم، ولكن هل وصلنا إلى قرارات صحيحة وحازمة وشجاعة وموحّدة تخدم اللغة العربيّة؟ هل استطعنا الاتّفاق على صيغ تربويّة مناسبة تتماشى مع المراحل العمريّة لتعليم هذه اللغة العظيمة؟ هل لدينا امتحانات واختبارات تقيس الكفاية اللغويّة كما يفعل الأجانب في الاختبارات العالمية الموحّدة، وهل وهل وهل؟

إنّ الذي يشتكي منه الجسم العربي اليوم هو تشرذم القوى، وتصدّع الرّؤى. إنّ الجهة الغائبة التي ندعوها إلى الحضور، والتي يعدّ حضورها ضروريا بل فريضة وحتميّة هو التخطيطُ اللغوي. وهذا العمل العظيم منوطٌ بكم أيّها العلماء الفقهاء في لغة التّنزيل. إنّ المسؤوليّة جسيمة، والمهمّة عظيمة، تكاد أن تنخلع الرّقابُ أمام ذراها الباسقة، ولكنّنا لا نستكينُ – بإذن الله وتوفيقه- ولا تخور عزائمنا، ولا ننثني أمام الخطوب والرّزايا مهما ادلهمّت غياهبُها.

إنّني لواثقٌ، وأنتم ثلّة قويّة من أهل العلم واللغة، وأنتم أبناء هذه الأمّة التي أعزّها الله بالقرآن، بأنّ لديكم القدرات والإمكانات والخلفيات العلميّة القويّة والواسعة التي تمكّنكم بالنّهضة والارتقاء بهذه اللغة العظيمة، وأن تحسنوا التّخطيط لها، وإنّ الله لموفّقكم، وهاديكم وناصرُكم، وآخذٌ بأيديكم إلى سواء السبيل وما ذلك على الله بعزيز.

دُمتم أوفياء للغة التّنزيل، وبُوركتم يا أهل شنقيط، أهل اللغة والشعر والبيان، وبوركت مجامعنا ومحافلنا اللغوية، وهدانا الله وإيّاكم إلى سواء السّبيل.

اقـرأ الـمـزيـد

سلطان القاسمي: اللّغةَ العربيّةَ أرقى اللّغات وأسماها

دعا صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة الرئيس الأعلى لمجمع اللغة العربية بالشارقة، اتحاد المجامع اللغوية العربية ضمن مؤتمر المجامع اللغوية والعلمية الذي انطلقت دورته الـ 47 صباح اليوم الأربعاء في  العاصمة الجزائر، إلى التعجيل بإنجاز المعجم اللغوي العربي التاريخي، وأعلن عن دعمه للفكرة ماديا ومعنويا من أجل إعداده في أقرب الآجال، معلنا أن هذا الإنجاز هو حلم يراوده منذ أمد طويل.

وجاء في كلمة صاحب السمو حاكم الشارقة التي ألقاها نيابة عنه الأمين العام لمجمع اللغة العربية بالشارقة الأستاذ محمد صافي المستغانمي قوله “إنَّ اللّغةَ العربيّةَ أرقى اللّغات وأسماها وأجلُّها وأعلاها وزادها طيبةً وعُذوبةً، أنَّ القرآنَ بها يُتلى، وأنَّ الأذانَ بها يُرْفَعُ، وأنَّ الصّلواتِ بها تُفتَتَحُ وتُختَتَم. منذ فجر الإسلام، دُوّنت بها العلوم، واستخدمتها شعوبٌ، واتّخذتها لغة العلوم والثّقافة والفنون والآداب. أطولُ اللّغات عُمرا، وأزخرُها مكنونًا، وأوسعُها تُراثًا، وأروعُها بيانا؛ فحقيقٌ بنا جميعًا أن نُعنى بها، وأن نجتمع من أجلها، وأن ننظرَ في قضاياها، وأن نسهّلَ على النّشء الجديد التّحدّثَ بها بفصاحةٍ وإبانةٍ وتبيين، ونُيسّرَ لهُواتها وعاشقيها سُبُلَ الكتابة بها بجودةٍ وإبداع.

ليس المقامُ مقامَ إشادةٍ بالعربيّة ومآثرها، والفخْرِ بعُلُوّ كعبها، وسُموِّ شأنها، وإنّما المقامُ يتطلّبُ مِنّا ومِن كلّ غيورٍ عليها أن ننظُرَ في قضاياها المعاصرة، وأن نتدارسَ فيما بيننا شؤونها وأحوالها، وإنَّ الآمالَ لمعقودةٌ عليكم، وأنتُم أهلُ العربيّة وحُماتُها وحُرّاسُها، أن تتدارسوا شؤونها، وأن تضعوا أمام الأجيال برامجَ ومشاريعَ عمليّةً تُيسّرُ سُبُلَ استعمالها وتوظيفها والتّحدّث بها.

وأنا أشدُّ على أيديكم جميعًا أن تستفيدوا مِن كلّ ما هو جديدٌ في المجال التّكنولوجي والرّقمي لخِدمة هذه اللّغة الغرّاء. علينا أن ننفتحَ على الآخرين ونستفيد من الأساليب العلميّة التي خدموا بها لغاتهم، علمًا أنَّ العربيّةَ أوسعُ وأشملُ وأجملُ وأدقّ في ألفاظها وتعابيرها، وأساليبها، وأصواتها، وإيقاعها.

وأبَشّرُكم، أيّها الجمع الكريم، بأنّنا في الشّارقة أنشأنا مجمع اللّغة العربيّة الذي كنّا نتطّلعُ إلى تأسيسه منذ رِدحٍ من الزّمن، وأصدرنا مرسومه في الأيّام القليلة الفائتة، وهو على غرار مجامعكم العامرة، يُعنى باللغة العربيّة ويحملُ همَّها. ولستُ أريدُ بهذه التأسيس لهذا المجمع إضافةَ مبنى جديد للغة العربية، فما أكثرَ المباني والصّروح التي تُشيّدُ في عالمينا العربي والإسلامي، ولكنّي أركّزُ على أن نكونَ فاعلين ومُنتجين، والغرضُ الأساسُ من مجمع اللّغة العربيّة بالشّارقة أن يمُدّ يد العون لما هو موجود، وأنْ يجبُرَ الكسرَ، ويرأبَ الصّدعَ، ويجمعَ الشّملَ، ويأْسُوَ الكلْمَ، ونحنُ نسعى من خلاله إلى تنسيق جهودنا وجهودكم جميعًا. فما أكثرَ الجهودَ! ولكنّها مُوزّعةٌ ومُبَعثرة، وتضيعُ في زحام الانشغالات وتفرّق الاهتمامات.

وأنتُم يا حماةَ اللّسان تعرفون أنَّ النّجاحَ هو جُهدٌ مُنَظّمٌ، وإنّنا من هذا المقام نستصرِخُ أهلَ النّخوة والغيرة على هذا اللّسان العربيّ المبين، ونُريدُ أن نمُدَّ يد العون والمساندة إلى كلّ من يخدُمُ اللغةَ العربيّةَ، ويسعى إلى نشرها، وتيسير سُبُلِ استعمالها والكتابة بها. نريدُ لمجامعنا جميعًا أن تكون فعّالةً مُنتجة، وبيدكم ذلك وأنتُم أحرياءُ بهذا الدّور العظيم. نريدُ للمعاجم الحديثة أن ترى النّور، ونريدُ للقواميس المتخصّصة في شتّى العلوم أن تبزُغَ شموسُها على أجيال العصر، ونريدُ للموسوعات العلميّة النّافعة المنضبطة بالمنهجيات العلميّة الدّقيقة أن تسطعَ نجومُها على العالمين.

أخيرًا وليس آخرًا، لا يزالُ حُلمُ المعجم التّاريخي للغة العربيّة يُراوِدُني، ولا يزالُ يقُضّ مضجعي ويُبعِدُ الكرى عن أجفاني، وإنّي لأعلمُ أنّه مشروعٌ عظيمٌ جلَلٌ يتطلّبُ جهودًا كبيرةً، ووقتًا ضافيًا، وهمّةً عاليةً، وقد تحدّثَ عنه علماؤُنا السّابقون منذ النصف الأوّل من القرن الماضي، وأبلوا في محاولات تنظيمه وإنشائه بلاءً حسنًا، ولكن تعثّرَ المشروعُ لأسباب كثيرة ومتنوّعة، منها صعوبةُ العمل، وضخامة المُدوّنة العربيّة التي هي أساسُ المعجم التاريخي، وهي تمتدُّ على مساحة زمنيّة لا تقِلُّ عن ستّة عشر قرنًا من اللغة الفصيحة المستعملة في شتّى الفنون والعلوم. وليس خافيًا على أحدٍ اليوم مدى التّطوّر العلمي في مجال الحواسيب التي أصبحت تُذلّلُ الصّعاب في مجال الجمع والتّدوين، والبحث والفرز، والتّحقيق، وحسن الإخراج.

أيّها الجمعُ الكريم، إنَّ الأعمالَ الجليلة يُقيّضُ الله جلَّ ثناؤُهُ لها ذوي الهِمم العالية، والنّفوس العظيمة، ونسأل الله تعالى أن يستخدِمنا في هذا المشروع العظيم، وإنّه لشرفٌ لكم ولنا جميعًا أن نعملَ بجِدّ وإخلاص وأن ننتقلَ من التّنظير إلى التّطبيق، وأن نُكوّنَ فرقَ العمل المتخصّصة على امتداد دولنا العربية والإسلامية، ومَن خطا يخطو، والمشاريعُ الكُبرى تبدأُ بخطوات، وعلينا أن نشرعَ في العمل والله الموفّقُ والمعين، وإذا صحَّ العزمُ وَضُحَ السّبيل، ومَن يدري، لعلّ الله جلّ ثناؤه يجعلُ في أوقاتنا وجهودنا من البركة والتوفيق ما يُخفِّفُ عنّا به لأواءَ الطّريق، وإذا كان الإنجليزُ أنشأوا قاموسهم التاريخي في سبعين عاما، وإذا كان الفرنسيون أنجزوا قاموسهم في ثلاثين عاما أو يزيد، فقد يُبارِكُ الله في جهودكم وجهودنا في أعوام معدودات، وما ذلك على الله بعزيز، وحسبُنا أن نبدأَ الأعمال الجليلة، وأن نَغرِسَ الفسيلةَ كما قال رسولُنا الكريمُ صلّى الله عليه وسلّم، عسى أن نُسهِمَ في خدمة لغة القرآن الكريم، ونكون سببا في حفظها لأجيالنا القادمة.

دُمتُم أوفياءَ مخلصين للغة العربية، وبارك الله في جهودكم وأعمالكم، وسدّد خطاكم في مؤتمركم هذا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.

اقـرأ الـمـزيـد

كلمة صاحب السّمو الموجّهة إلى اتّحاد المجامع اللغويّة والعلمية في اجتماع الجزائر

كلمة صاحب السّمو الشّيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي

الموجّهة إلى اتّحاد المجامع اللغويّة والعلمية في اجتماع الجزائر ٤ يناير ٢٠١٧

بسم الله الرّحمن الرّحيم

أصحابَ المعالي، الإخوةُ السّادةُ العلماء، حُرّاسَ لغةِ الضّاد، الحضورُ الكريم.

السّلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمدُ لله الذي لم يُستَفْتَحْ بأفضلَ من اسمه كلام، ولمْ يُستَنْجَحْ بأَحسنَ من صُنعِه مرام، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا محمد خيرِ الأنام، هو خيرُ مَن افتُتِحَتْ بِذِكره الدّعواتُ، وبُورِكَت بالصّلاة عليه الحاجات، المبعوث رحمةً للعالمين، وسراجًا مُنيرًا للمؤمنين، وهو خيرُ من نطقَ بلغة الضّاد، وأُوتِيَ جوامِعَ الكلِم.

     وبعدُ، فإنَّ اللّغةَ العربيّةَ أرقى اللّغات وأسماها، وأجلّها وأعلاها، وزادها طيبةً وعُذوبةً أنَّ القرآنَ بها يُتلى، وأنَّ الأذانَ بها يُرْفَعُ، وأنَّ الصّلواتِ بها تُفتَتَحُ وتُختَتَم. منذ فجر الإسلام، دُوّنت بها العلوم، واستخدمتها شعوبٌ، واتّخذتها لغة العلوم والثّقافة والفنون والآداب. أطولُ اللّغات عُمرا، وأزخرُها مكنونًا، وأوسعُها تُراثًا، وأروعُها بيانا؛ فحقيقٌ بنا جميعًا أن نُعنى بها، وأن نجتمع من أجلها، وأن ننظرَ في قضاياها، وأن نسهّلَ على النّشء الجديد التّحدّثَ بها بفصاحةٍ وإبانةٍ وتبيين، ونُيسّرَ لهُواتها وعاشقيها سُبُلَ الكتابة بها بجودةٍ وإبداع.

     ليس المقامُ مقامَ إشادةٍ بالعربيّة ومآثرها، والفخْرِ بعُلُوّ كعبها، وسُموِّ شأنها، وإنّما المقامُ يتطلّبُ مِنّا ومِن كلّ غيورٍ عليها أن ننظُرَ في قضاياها المعاصرة، وأن نتدارسَ فيما بيننا شؤونها وأحوالها، وإنَّ الآمالَ لمعقودةٌ عليكم، وأنتُم أهلُ العربيّة وحُماتُها وحُرّاسُها، أن تتدارسوا شؤونها، وأن تضعوا أمام الأجيال برامجَ ومشاريعَ عمليّةً تُيسّرُ سُبُلَ استعمالها وتوظيفها والتّحدّث بها.

     وأنا أشدُّ على أيديكم جميعًا أن تستفيدوا مِن كلّ ما هو جديدٌ في المجال التّكنولوجي والرّقمي لخِدمة هذه اللّغة الغرّاء. علينا أن ننفتحَ على الآخرين ونستفيد من الأساليب العلميّة التي خدموا بها لغاتهم، علمًا أنَّ العربيّةَ أوسعُ وأشملُ وأجملُ وأدقّ في ألفاظها وتعابيرها، وأساليبها، وأصواتها، وإيقاعها.

     وأبَشّرُكم، أيّها الجمع الكريم، بأنّنا في الشّارقة أنشأنا مجمع اللّغة العربيّة الذي كنّا نتطّلعُ إلى تأسيسه منذ رِدحٍ من الزّمن، وأصدرنا مرسومه في الأيّام القليلة الفائتة، وهو على غرار مجامعكم العامرة، يُعنى باللغة العربيّة ويحملُ همَّها. ولستُ أريدُ بهذا التأسيس لهذا المجمع إضافةَ مبنى جديد للغة العربية، فما أكثرَ المباني والصّروح التي تُشيّدُ في عالمينا العربي والإسلامي، ولكنّي أركّزُ على أن نكونَ فاعلين ومُنتجين، والغرضُ الأساسُ من مجمع اللّغة العربيّة بالشّارقة أن يمُدّ يد العون لما هو موجود، وأنْ يجبُرَ الكسرَ، ويرأبَ الصّدعَ، ويجمعَ الشّملَ، ويأْسُوَ الكلْمَ، ونحنُ نسعى من خلاله إلى تنسيق جهودنا وجهودكم جميعًا. فما أكثرَ الجهودَ! ولكنّها مُوزّعةٌ ومُبَعثرة، وتضيعُ في زحام الانشغالات وتفرّق الاهتمامات.

     وأنتُم يا حماةَ اللّسان تعرفون أنَّ النّجاحَ هو جُهدٌ مُنَظّمٌ، وإنّنا من هذا المقام نستصرِخُ أهلَ النّخوة والغيرة على هذا اللّسان العربيّ المبين، ونُريدُ أن نمُدَّ يد العون والمساندة إلى كلّ من يخدُمُ اللغةَ العربيّةَ، ويسعى إلى نشرها، وتيسير سُبُلِ استعمالها والكتابة بها. نريدُ لمجامعنا جميعًا أن تكون فعّالةً مُنتجة، وبيدكم ذلك وأنتُم أحرياءُ بهذا الدّور العظيم. نريدُ للمعاجم الحديثة أن ترى النّور، ونريدُ للقواميس المتخصّصة في شتّى العلوم أن تبزُغَ شموسُها على أجيال العصر، ونريدُ للموسوعات العلميّة النّافعة المنضبطة بالمنهجيات العلميّة الدّقيقةأن تسطعَ نجومُها على العالمين.

أخيرًا وليس آخرًا، لا يزالُ حُلمُ المعجم التّاريخي للغة العربيّة يُراوِدُني، ولا يزالُ يقُضّ مضجعي ويُبعِدُ الكرى عن أجفاني، وإنّي لأعلمُ أنّه مشروعٌ عظيمٌ جلَلٌ يتطلّبُ جهودًا كبيرةً، ووقتًا ضافيًا، وهمّةً عاليةً، وقد تحدّثَ عنه علماؤُنا السّابقون منذ النصف الأوّل من القرن الماضي، وأبلوا في محاولات تنظيمه وإنشائه بلاءً حسنًا، ولكنْ تعثّرَ المشروعُ لأسباب كثيرة ومتنوّعة، منها صعوبةُ العمل، وضخامة المُدوّنة العربيّة التي هي أساسُ المعجم التاريخي، وهي تمتدُّ على مساحة زمنيّة لا تقِلُّ عن ستّة عشر قرنًا من اللغة الفصيحة المستعملة في شتّى الفنون والعلوم. وليس يخفى على أحدٍ اليوم مدى التّطوّر العلمي في مجال الحواسيب التي أصبحت تُذلّلُ الصّعاب في مجال الجمع والتّدوين، والبحث والفرز، والتّحقيق، وحسن الإخراج.

    أيّها الجمعُ الكريم، إنَّ الأعمالَ الجليلة يُقيّضُ الله جلَّ ثناؤُهُلها ذوي الهِمم العالية، والنّفوس العظيمة، ونسأل الله تعالى أن يستخدِمنا في هذا المشروع العظيم، وإنّه لشرفٌ لكم ولنا جميعًا أن نعملَ بجِدّ وإخلاص وأن ننتقلَ من التّنظير إلى التّطبيق، وأن نُكوّنَ فرقَ العمل المتخصّصة على امتداد دولنا العربية والإسلامية، ومَن خطا يخطو، والمشاريعُ الكُبرى تبدأُ بخطوات، وعلينا أن نشرعَ في العمل والله الموفّقُ والمعين، وإذا صحَّ العزمُ وَضُحَ السّبيل، ومَن يدري ، لعلّ الله جلّ ثناؤه يجعلُ في أوقاتنا وجهودنا من البركة والتوفيق ما يُخفِّفُ عنّا به لأواءَ الطّريق، وإذا كان الإنجليزُ أنشأوا قاموسهم التاريخي في سبعين عاما، وإذا كان الفرنسيون أنجزوا قاموسهم في ثلاثين عاما أو يزيد، فقد يُبارِكُ الله في جهودكم وجهودنا في أعوام معدودات، وما ذلك على الله بعزيز، وحسبُنا أن نبدأَ الأعمال الجليلة، وأن نَغرِسَ الفسيلةَ كما قال رسولُنا الكريمُ صلّى الله عليه وسلّم، عسى أن نُسهِمَ في خدمة لغة القرآن الكريم، ونكون سببا في حفظها لأجيالنا القادمة.

      دُمتُم أوفياءَ مخلصين للغة العربية، وبارك الله في جهودكم وأعمالكم، وسدّد خطاكم في مؤتمركم هذا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

د. سلطان بن محمد القاسمي

حاكم الشارقة والرئيس الأعلى لمجمع اللغة العربية بالشارقة.

اقـرأ الـمـزيـد

الخط المباشر: د.محمد صافي المستغانمي يتحدث عن مجمع اللغة العربية بالشارقة

الخط المباشر: الأمين العام لمجمع اللغة العربية بالشارقة الدكتور أمحمد صافي المستغانمي يتحدث عبر الخط المباشر من الشارقة عن عزم وإرادة سمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي على دعم وتعزيز اللغة العربية لأنها وعاء القرآن الكريم.
وبيَّن أنَّ لب لبابه أن يصدر المعجم التاريخي للغة العربية بالإضافة إلى الكثير من الأهداف الكبيرة والعظيمة الأخرى التي تهدف إلى دعم وتعزيز أطر التعاون مع المجامع والمراكز اللغوية والعلمية في العالمين العربي والإسلامي.
 
وقال الدكتور أمحمد صافي المستغانمي أن مجمع اللغة العربية بالشارقة يسعى إلى تحفيز وحثّ الجميع للنهوض باللغة العربية  فعلًا وعملًا واجتهادًا، وذلك بأن نسهل اللغة العربية على من يريد أن يتعلمها، وسوف يقدم مجمع اللغة العربية بالشارقة كل ما تحتاجه عملية النهوض والتحفيز هذه وقد جاء ذلك بتوجيهات من سمو الشيخ سلطان القاسمي.
 
وطرح الجمهور سؤالًا:  ما هو الفرق بين مَجْمَعْ و مُجَمَّعْ ؟ وما هو الصحيح استخدامه في هذا الموضوع ؟
 
فأجاب الدكتور محمد صافي المستغانمي أنّ: – المَجْمَعْ هو اسم مكان من فعل جَمَعَ وهو الصحيح من الناحية اللغوية، استشهادًا بالقرآن الكريم (( حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ ))، وقد روي في الحديث (( فضرب بيده صلى الله عليه وسلم مَجْمَعَ ما بين عنقي وكتفي )) أي حيث يجتمعان، فنقول لغويًا : مَجْمَعْ على وزن مَفْعَلْ ، مَبْدَأ ، مَصْعًدْ إلى غير ذلك …
مُجَمَّعْ : إن صحت الكلمة أقول أنها بعيدة لأنها اسم مفعول ل جَمَّعَ ، يُجَمِّعُ ، مُجَمَّعْ.
 
أما الكلمة الصحيحة فهي مَجْمَعْ وهي مستعملة في القرآن الكريم والمجامع اللغوية وفيها جهابزة الألفاظ، فقالوا مَجْمَعْ حيث تم تسمية مَجْمَعْ اللغة العربية بالشارقة ، مَجْمَعْ اللغة العربية بالقاهرة ، مَجْمَعْ اللغة العربية بالاردن وهكذا …. والله أعلم.
 
 
 
اقـرأ الـمـزيـد